هو اختلاط الماء بمياه المجاري أو الكيميائيات السامة أو الفلزات أو الزيوت أو أية مواد أخرى. وفي مقدور هذا التلوث أن يؤثر في المياه السطحية، مثل الأنهار والبحيرات والمحيطات، كما يمكن أن يؤثر في المياه التي في باطن الأرض، والمعروفة بالمياه الجوفية. وبإمكانه أيضًا أن يسبب الأذى لأنواع عديدة من النباتات والحيوانات. ووفقًا لمنظمة الصحة العالمية، يموت ما يقرب من خمسة ملايين شخص سنويًا، بسبب تجرعهم ماءً ملوثًا.
وفي النظام المائي الصحي، تعمل دورة من العمليات الطبيعية، على تحويل المخلفات إلى مواد نافعة أو ضارة. وتبدأ الدورة عندما تستخدم كائنات عضوية تعرف بالبكتيريا الهوائية الأكسجين الذائب في الماء، لهضم المخلفات. وتنتج هذه العملية النترات والفوسفات وغيرها من المغذيات (عناصر كيميائية تحتاجها الكائنات الحية في نموها). وتمتص الطحالب والنباتات المائية الخضراء هذه المغذيات، وتأكل حيوانات مجهرية تدعى العوالق الحيوانية الطحالب، وتأكل الأسماك تلك العوالق. أما الأسماك فقد تأكلها أسماك أكبر منها أو طيور أو حيوانات أخرى. وتنتج عن هذه الحيوانات مخلفات جسمية، ثم ما تلبث أن تموت. وتحلل البكتيريا هذه الحيوانات الميتة، والمخلفات الحيوانية، ثم تعاود الدورة الكرة مرة أخرى.
يحدث التلوث المائي عندما يُلقي الناس بكميات من المخلفات في نظام مائي ما، بحيث تصل إلى درجة لايكون معها في وسع عمليات التنقية الطبيعية التابعة له أن تؤدي وظيفتها على الوجه المطلوب. وبعض المخلفات، مثل الزيت والأحماض الصناعية والمبيدات الزراعية، تسمم النباتات المائية والحيوانات، بينما تلوث بعض المخلفات الأخرى مثل المنظفات الفوسفاتية والأسمدة الكيميائية وروث الحيوانات، بمد الحياة المائية بمزيد من المغذيات. وتسمى هذه العملية الإثراء الغذائي، وتبدأ عندما تنساب كميات كبيرة من المغذيات إلى أنظمة المياه حيث تعمل المغذيات على تحفيز النمو الزائد للطحالب. وكلما ازداد نمو الطحالب، ازداد فناؤها بالمقابل. وتستهلك البكتيريا الموجودة في الماء كميات كبيرة من الأكسجين لتهضم بذلك الفائض من الطحالب الميتة. ويؤدي ذلك إلى نقص مستوى الأكسجين في الماء مما يتسبب في موت الكثير من النباتات المائية وكذلك الحيوانات.
يصدر التلوث المائي عن المؤسسات التجارية والمزارع والمنازل والمصانع ومصادر أخرى، ويشتمل على نفايات المجاري والكيميائيات الصناعية والكيميائيات الزراعية ومخلفات المواشي. ومن أشكال التلوث المائي أيضًا الماء الحار النظيف المنبعث من محطات القدرة إلى مجاري المياه. ويتسبب هذا الماء الحار المسمى بالتلوث الحراري في الإضرار بالأسماك والنباتات المائية عن طريق تقليل كمية الأكسجين في الماء. وفي مقدور الكيميائيات والزيوت المنسكبة أن تحدث تلوثًا مائيًا مدمرًا يتسبب في قتل الطيور المائية والمحار والحياة الفطرية الأخرى.
ويحدث بعض التلوث إذا لم يَجْر فصل مُحْكم بين مجاري المياه ومياه الشرب النظيفة. ففي المناطق التي تفتقر إلى محطات حديثة لمعالجة مياه المجاري، يمكن أن تنساب المياه التي تحمل معها المخلفات البشرية إلى موارد المياه. مما يؤدي إلى اختلاط البكتيريا الناقلة للأمراض بماء الشرب وتتسبب في الإصابة بأمراض مثل الكوليرا والدوسنتاريا.
أما في المناطق التي تحظى بصرف صحي جيد فإن معظم المخلفات البشرية تنساب في أنابيب وضعت في باطن الأرض، حيث ينتهي بها المطاف إلى محطات معالجة خاصة تقتل البكتيريا الضارة وتزيل المخلفات الصلبة.
اسباب التلوث المائي:
هناك ثلاثة مصادر رئيسية لتلوث الماء :
1- النفايات الصناعية.
2- مياه الصرف الصحي (المجاري).
3- المواد الكيميائية والنفايات الزراعية.
1- النفايات الصناعية:
تفرِّغ الصناعات في البلاد المتقدمة ملوثات عديدة مع نفايات المياه، أكثر مما تفعل أنظمة شبكة الصرف الصحي. وتحتوي نفايات المياه هذه على الكثير من المواد الكيميائية والسامة. وتُفرَّغ كميات كبيرة من هذه النفايات الكيميائية في أنظمة المياه مباشرة. وينتج أيضًا عن حرق الفحم، والنفط وأنواع الوقود الأخرى، وفي محطات توليد الطاقة، والمصانع، والسيارات أكسيد الكبريت والنيتروجين. وتسبب هذه الملوثات المطر الحمضي، الذي يسقط على الأرض ويدخل إلى مجاري المياه والبحيرات. انظر: المطر الحمضي.
وربما تلوث بعض الصناعات الماء بطريقة أخرى عندما تستخدم كميات كبيرة من المياه لتبريد المعدات. وتجعل الحرارة الناتجة عن المعدات الماء ساخنا. وتستخدم محطات توليد الكهرباء غالبًا الماء لتكثيف البخار الذي يدير العنَفَات (التوربينات). وحينما يُفرغ الماء الساخن في النهر أو البحيرة، ربما يسبب التلوث الحراري الذي يمكن أن يضر بحياة النبات والحيوان.
تُعد القمامة من أكبر المشكلات البيئية وأكثرها كلفةً، حيث أنّها تشتمل على مواد سامّة مختلفة: من أكياس بلاستيكية وقطع أثاث مختلفة، ومعلبات، ومخلّفات غذائية، وأخشاب وأوراق وزجاج، وغير ذلك الكثير، ومن أجل التخلص منها تقذف في البحار، وخاصةً من قبل الدول الصناعية فتلوثها، أو أنّها تُدفن في الأرض فتتسرب سمّية المواد التي تشملها إلى المياه الجوفية، أو يتم حرقها، فتتطاير منها الغازات السامّة، وتلوّث الهواء والماء والتربة، حيث تنتقل مع مياه الشرب أو مياه الري إلى المزروعات التي يتغذى عليها الإنسان والحيوان، فتسبب أضراراً صحيةً خطيرةً. وعلى الرغم من كل هذا تقوم العديد من الدول بدفن القمامات، وإن كان بعضها يحاول تغطيتها بطبقة من البتون أو البلاستيك لمنع تسرب المواد السامة إلى المياه الجوفية، غير أن هذه الاحتياطات تُعدّ مؤقتة، وذلك لأن هذه الطبقات العازلة لا تعمر في أغلب الأحيان أكثر من خمسين سنة، إضافة إلى أن بعض المحاليل الكيماوية مثل (Toluol) قادرة على اختراق الحاجز البلاستيكي دون أن تمزقه.
هذا وقد تم بالفعل اكتشاف أكثر من محلول كيماوي واحد في مياه الشرب، رغم الإجراءات التي اتخذت لمنع تسربها إلى المياه الجوفية. وبعد تسرب هذه المواد السامة إلى المياه الجوفية، وبالتالي إلى مياه الشرب من أكبر المشكلات البيئية المعروفة في هذا العصر. ومن هذه المحاليل الكيماوية الخطيرة التي تلوّث المياه، وخاصة مياه الشرب، الأنيلين والأستون وجلوجول الأثيل.
2- مياه الصرف الصحي:
تتكون مياه الصرف الصحي من فضلات الإنسان، والقمامة، والماء الذي استخدِم في غسل الملابس أو الاستحمام. وبحلول عام 2020م، من المحتمل أن تنتج الدول الصناعية كمية من مياه الصرف الصحي، قد تبلغ ضعفي الكمية التي كانت تنتجها في عـــــام 1990م.
ويمر معظم مياه الصرف الصحي من خلال محطات المعالجة التي تزيل الأجسام الصلبة، وتلك المواد الذائبة مثل النيتروجين، والفوسفور. ويمر بعضها خلال أحواض للتطهير قبل ترشيحها من خلال حقول الترشيح إلى الأرض. وتذهب البقية من مياه الصرف الصحي دون معالجة مباشرة إلى مجاري المياه أو المحيط.
تستهلك المراحيض والحمامات الحديثة كميات كبيرة من المياه التي تُهدر يومياً في مياه المجاري ومحطات تكريرها، وخاصةً في المناطق المزدحمة بالسكان، ممّا يعرّض المياه الجوفية والأراضي الزراعية لخطر شديد.
فالطلب اليومي المتزايد على المياه، يستنزف باستمرار المخزون الطبيعي للمياه الجوفية، مما يدفع إلى حفر آبار ارتوازية عميقة بحثاً عن الماء، وهذا يقود إلى ارتفاع درجة الملوحة في المياه والتربة معاً، ويؤدي إلى صعوبة الاستفادة منهما زراعياً.
إضافة إلى ذلك فإن رواسب مياه المجاري التي كانت في يوم من الأيام تستخدم كأسمدة طبيعية، أصبحت تجمّع في أماكن معينة، أو يقذف بها في البحار فتلوثها، قد سلبت الأراضالزراعية مواد عضوية . حيث يتم تعويضها بمواد كيماوية وأسمدة صناعية، تخلف وراءها مشكلات بيئية عديدة.
هذا ولا تتوانى العديد من الدول الصناعية بقذف رواسب مجاريها في الأنهار أو في البحار، فالتلوث الحالي في معظم أنهار الدول الصناعية أخذ يشكل خطورة بالغة على بحار العالم وخاصة وأن ذلك يرتبط ارتباطاً مباشراً بكمية الأكسجين في الجو. فمياه البحار والأنهار تأخذ الأكسجين من الجو، وذلك بكميات متفاوته، حسب درجة الحرارة وجريان المياه، هذا الأكسجين يذاب في الماء وتعيش عليه الكائنات الحية المائية المختلفة من عوالق وأسماك، حيث تستخدمه في متطلبات الحياة الأساسية وهي التنفس وعمليات الأيض ، ويستمر هذا الأمر طبيعياً، ما دام الأكسجين متوافراً بكميات جيدة في الماء، أمّا إذا حصل تلوّث للمياه، فإن كميات الأكسجين فيها لا يمكن أن تسد حاجات الكائنات الحية التي تعيش فيها، مما يؤدي إلى اختناق بعضها أو موتها، إضافة إلى ذلك فإن النفايات الصلبة الملقاة في المياه تشجع نمو الطحالب التي تحول نيتروجين الجو إلى نيترات، وعندما تموت هذه الطحالب –نتيجة نقص في التمثيل الضوئي، بسبب التلوّث - تنمو وبشكل شرس طحالب جديدة، تغطّي مساحات شاسعة في المياه، مما يخلق منها وضعاً يشبه إلى حدٍ كبير مياه المجاري. وهنا تبدأ المشكلة، التي تتمثل في أنّ أنواعاً من البكتيريا وكائنات حيّة أخرى تتغذى على الطحالب، فتحتاج إلى أكسجين الماء، غير أن المياه الملوّثة لا تسد حاجات هذه الكائنات الحية من الأكسجين، فتضطر إلى تعويضه من الجو، وهكذا تستمر الدائرة، ويتعرض الأكسجين في الماء والهواء إلى نقص متزايد، وتتعرض الأسماك وغيرها من الكائنات الحية المائية إلى خطر الموت.
3- المواد الكيميائية والنفايات الزراعية:
يسري ماء المطر أو الجليد المنصهر من الأراضي الزراعية إلى مجاري المياه حاملاً معه المخصبات (السماد) الكيميائية، ومبيدات الآفات التي قد يستخدمها المزارعون على الأرض. وربما تسبب فضلات الحيوان أيضًا تلوّث الماء، وبخاصة من أماكن تغذيته في الحظائر، التي توجد بها أعداد كبيرة من الحيوانات. ولا تتوزع فضلات الماشية والخنازير والأغنام التي تُسمَّن في الحظائر على المراعي واسعة الانتشار. وبدلا من ذلك تسري كميات كبيرة من فضلاتها إلى مجاري المياه القريبة. وربما تتلوث المياه التي تستخدم للري أيضًا بالأملاح، ومبيدات الآفات، والمواد الكيميائية السامة، التي تأتي من على سطح التربة قبل أن تنساب ثانية إلى الأرض.
تلوث المياه بمواد كيماوية
نتيجة تلوث المياه بمواد كيماوية سامة تتكرر المشكلات البيئية والصحية فالمطهرات المختلفة التي تستعمل في هذا العصر، وخاصة تلك التي تحتوي على مركبات فسفورية، تميت كل شكل من أشكال الحياة في مياه الأنهار والبحار، كما إنّ المركبات الكلورية تسمم المياه أيضاً وتقضي على الأسماك التي تعيش بداخلها، مع العلم أن مادة الكلور، على الرغم من سمّيتها المعروفة للأسمالك، تضاف إلى مياه الشرب لتطهيرها من الجراثيم المرضية.
هذا وينتج عن تلوّث المياه بالمواد الكيماوية تكاثر الطحالب، وموت العديد من الكائنات الحية المائية من نبات وحيوان، علاوة على الأضرار الصحية المختلفة.
ومن أهم المواد الكيماوية التي تلوّث المياه بشكل عام عناصر من معادن ثقيلة كالرصاص والزئبق والكادميوم، بجانب المبيدات والأسمدة الكيماوية التي تستعمل في المجال الزراعي، وتشمل على مركّبات كلورية، وفسفورية، ونيتروجينية، وبوتاسية وغيرها كثير، حيث تتسرّب جميع هذه الكيماويات مع الحلقة الغذائية إلى الإنسان.
فوجود النيترات في مياه الشرب مثلاً يشكل خطراً كبيراً على صحة الأطفال الرضع وقد يسبب موتهم أيضاً، كما يؤثّر على المسنين وبعض الحيوانات الأليفة تأثيراً كبيراً.
كذلك فإنّ احتواء الماء على مواد كالزئبق والكادميوم يعرّض صحة الإنسان لأضرار خطيرة، وخير مثال على ذلك ما حلّ في اليابان بين عامي 1949 و1968 حيث قام أحد المصانع بقذف مخلّفاته المحتوية على مادة الزئبق في البحر، وفي الماء تحوّلت مادة الزئبق السّامة أصلاً إلى ميثايل الزئبق الأشد سمّية، وعلى طريق الحلقة الغذائية انتقل هذا المركّب منالأسماك إلى الإنسان، حيث أدى إلى تسمّم آلاف من اليابانيين وموت المئات منهم، إضافةً إلى إصابة الكثير من المواليد بتشوهات عقلية وبدنية. هذا ونتيجة تلوّث مياه الشرب والتربة الزراعية والهواء. بمخلّفات وُجدت مدفونة في مناجم مهجورة، احتوت على عنصر الكادميوم أصيب الآلاف من اليابانيين بالمرض المعروف باسم إتاي-إتاي ( أوا-أوا)، الذي يسبب آلاماً شديدة مزمنة في العظام، ومن أخطار هذا المرض أيضاً أنه يذيب المادة الكلسية في العظام، مما يؤدي إلى اختفائها التدريجي، أو إلى تقزّم وانحناء في الهيكل العظمي، كما أنّ هذا التلوث سبب موت عدد غير معروف من الناس نتيجة توقّف نشاط الكلى وإبطال مناعة الجسم الطبيعية.
تلوّث المياه بمواد النشاط الإشعاعي
إن وجود العديد من المفاعل النووية، وإجراء التجارب الذرية على وجه هذه المعمورة يؤدي إلى تساقط المواد النشطة إشعاعياً، كغبار ذري، على الأرض، فتلوث التربة والنبات ومياه الشرب، وتنتقل عن طريق الطعام والشراب إلى جسم الإنسان، فتسبب له أمراضاً سرطانيةً خبيثة، كما تقود إلى تغييرات في أجنّته الوراثية.
فالتجارب النووية تلوّث المياه بمواد مثل سثرنتيوم 90 وبلاتونيوم 239، بينما تلوّثها المفاعل النووية بسازيوم 137 وسثرنتيوم 90 وغيرها الكثير.
وتشترك جميع مواد النشاط الإشعاعي، بغض النظر عن مصدرها، بتأثيرها البالغ على صحة الإنسان. فمن عنصر البلاتونيوم 239، الذي يُعد من أشد عناصر النشاط الإشعاعي سمّية، تتطاير شعاعات ألفاً الفنية بالطاقة إلى الجو، ثم تسقط كرذاذ مع الأمطار على سطح الأرض وتلوّث الماء والتربة، وعندما تنتقل إلى الإنسان عن طريق الحلقة الغذائية، تتجمّع في ثنايا الجسم المختلفة، في العظام والرئة، حيث تثير كميات قليلة جداً منها، أقل من واحد على مليون، أمراضاً سرطانية، وخاصةً في الرئة.
هذا وقد تلوث الجو في السنوات الأخيرة بمادة البلاتونيوم بشكل واسع، وذلك نتيجة التجارب النووية والمفاعل الذرية، مع العلم أن هذه المادة لم تكن أصلاً متوفرة في الطبيعة، بل يتم انتاجها صناعياً، وخاصةً وأن الدول الصناعية تتسابق على إنتاج كميات كبيرة.
تلؤّث المياه بزيوت النفط
يُعد تلوّث البحار والمحيطات بزيوت النفط مشكلة مزمنة، حيث ينتج هذا التلوث عن السفن والناقلات العملاقة التي تجوب البحار والمحيطات، وتفرّغ زيوت محركاتها المستهلكة في مياهها، كما ينتج أيضاً عن تدمير أو تفجير آبار البترول البحرية أو الواقعة قرب الشاطئ، أوعن تحطيم ناقلات البترول العملاقة التي تضاعفت أعدادها في السنوات القليلة الماضية، وأخذت تشكل أخطاراً كبيرةً للبحار.
فلدى تدفق 10000 طن نفط من باخرة عملاقة تتحطم في عمق البحر، ينتشر الزيت الخام بسرعة 5.4 كم في الساعة فوق سطح الماء، ويميت حوالي 50% من الطيور التي تعيش فيها خلال أسبوع، حيث أنّ هذا الزيت الذي لا يمتزج مع الماء، يطفو على سطح البحر، وبينما يتبخّر جزء كبير منه كغاز، يتجمع الجزء الأكبر ، نتيجة الأمواج الهائجة فوق المحيطات والبحار، مكوناً بذلك كتلاً سوداء لزجةً كريهة اللون والشكل والرائحة، تشبه القشدة (mousse , masses) وفي أثناء طفو هذه الكتل الزيتية اللزجة لمدة طويلة فوق سطح المياه، أو ترسبها في أعماق المحيطات، يموت كثير من الكائنات الحية المائية، أو يتأثر معظمها تأثيراً بالغا.ً
ونتيجة لعدم تمكن أشعة الشمس من إختراق الكتل الزيتية، التي تصل في بعض الأحيان إلى أكثر من 90%، تتوقف عملية التمثيل الضوئي ونمو الكثير من العوالق، وخاصةً تلك التي توجد أصلاً في مكان ظليل، وبهذا تفقد المياه مصدراً طبيعياً ومهماً من غذاء الأسماك والكائنات الحيّة البحرية الأخرى، مما يؤدي إلى موتها، إضافةً إلى أنّ كثيراً من الطيور المائية الملوثة بالزيوت تفقد قدرتها الطبيعية على صدّ المياه عن جسمها فتموت برداً، أو قد تموت نتيجة تسممها المباشر بالزيوت، وخاصة وهي تحاول تنظيف ريشها الملوث، تبتلغ كميات كبيرة من هذه الزيوت السامة والمشبعة بمادة الكبريت. وقد تزداد هذه المشكلة خطورةً، عندما تبدأ طبقة الزيت المنتشرة فوق سطح الماء بإذابة المواد السامة التي يحملها الهواء، والتي لا تذوب في الماء، مثل ال د.د.ت، وبولي كلور بيفنيل (PCB)، التي تنتقل بدورها إلى الحلقة الغذائية وبالتالي إلى الإنسان نفسه، وتسبب له أضراراً صحية جسيمة.
ومن المصادر الأخرى التي تلوث المياه بالزيوت، والتي لا بد من ذكرها وأخذها بعين الاعتبار، الزيوت الناتجة عن السيارات وورش تصليحها أو صيانتها، والناتجة من محطات البنزنين وتكرير البترول وغيرها، وتتسرب هذه الزيوت عن طريق التربة إلى المياه الجوفية ثم تنتقل معها إلى الأنهار والبحريات، حيث تلوّث مياه الشرب والبحار معاً.
تلوث الماء الناتج عن ارتفاع درجة الحرارة
كثير من المصانع تقذف بمخلفاتها من الماء الساخن في الأنهار والبحار، مما يؤدي إلى ارتفاع درجة حرارتها وحرارة البيئة المحيطة بها فوق المعدل، وخاصة في أيام الصيف الحارة، مما يؤثر تأثيراً بالغاً على حياة الأسماك والكائنات الحية الأخرى التي تعيش فيها، كما قد يؤدي هذا الإجراء إلى موتها أيضاً.
هذا وقد يتأقلم عدد من هذه الكائنات الحية مع الظروف الجديدة، حتى أنّ انعدام الماء الساخن عنها قد يؤدي إلى موتها، مما دعا علماء البيئة على إطلاق اسم (THERMAL PLUME) على هذه الظاهرة، غير أن مشكلة تغيير حرارة الماء ستبقى قائمة، ما دامت تعرض حياة الأسماك والكائنات المائية الأخرى، لخطر الانقراض.
آثار التلوث المائي:
من المؤكد أن المياه الملوثة بنفايات الإنسان والحيوان قد تسبب حمى التيفوئيد والكوليرا، والدوسنتاريا، والأمراض الأخرى. ويتم تطهير إمدادات المياه، في مجتمعات كثيرة، بالكلور لقتل الجراثيم التي تسبب المرض. وعلى أية حال لا يزيل التطهير الكيميائيات والفلزات، مثل ثنائيات الفينيل متعددة الكلور، والكلوروفورم، والزرنيخ، والرصاص، والزئبق. ويهدد إطلاق هذه النفايات السامة دون احتراس، وخاصة في أماكن تجمُّع النفايات، المياه الجوفية بدرجة خطيرة. ولقد وجدت ثنائيات الفينيل متعددة الكلور، والكلوروفورم، ومبيدات الآفات في إمدادات مياه الشرب في بلاد كثيرة. وهذا مما يقلق العلماء؛ لأن شرب هذه المواد ـ ولو بكميات صغيرة على مدى سنوات عديدة ـ ربما يكون له تأثيرات ضارة.
ويمنع التلوث الإنسان من استخدام الماء والتمتع به في النشاطات الترفيهية. وعلى سبيل المثال، تجعل الروائح وبقايا المواد الطافية ركوب القوارب والسباحة رياضة غير سارة. كما يزداد احتمال الإصابة بالمرض عن طريق المياه الملوثة. وربما يطفو النفط الذي يتسرّب من السفن أو من آبار النفط القريبة من السواحل حتى يصل إلى الشاطئ. ويمكن للنفط أن يسبب تلوثًا خطيرًا ويقتل الطيور المائية، والمحار، والحيوانات الفطرية الأخرى.
وبالإضافة إلى ذلك، يؤثر التلوث على الأنشطة التجارية والترفيهية لصيد الأسماك. فقد قُتلت الأسماك بسبب النفط، أو بسبب نقص الأكسجين في الماء. وتؤذي النفايات الصناعية الأسماك أيضًا، وبخاصة ثنائيات الفينيل متعددة الكلور.
ويؤثر تلوث الماء أيضًا على مختلف العمليات التي تحدث طبيعيًا في الماء. وتساعد هذه العمليات التي تستخدم الأكسجين المذاب على جعل النفايات غير ضارة. وتفكك البكتيريا الهوائية النفايات العضوية إلى مواد بسيطة في عملية تُسمّى التمعدن. وتستخدم بعض هذه المواد مثل الفوسفات والنترات بمثابة مغذيات للنباتات.
وتستخدم البكتيريا الهوائية الأكسجين المذاب في الماء حينما تفكك النفايات العضوية. ويمكن للعلماء أن يكتشفوا كمية المادة العضوية بالماء بقياس كمية الأكسجين التي استهلكتها البكتيريا في عملية التفكيك. وتسمى عملية القياس هذه الطلب الكيميائي الحيوي للأكسجين. وإذا احتوى الماء على كميات كبيرة من النفايات العضوية، فإن البكتيريا سوف تستهلك معظم أو كل الأكسجين فيه. وسوف تكون، حينئذ، بعض أنواع أسماك الصيد مثل السالمون والأسترجون والتروتة غير قادرة على العيش في الماء. وسوف تحل محلها الأسماك التي تحتاج إلى أكسجين أقل مثل الشبوط والسَّلور. أما إذا نفد كل الأكسجين فإن معظم الأحياء المائية لن تكون قادرة على البقاء.
وربما يقود وجود كميات كبيرة جدًا من المغذيات (المواد المغذية) في الماء إلى عملية تسمى الإثراء الغذائي. وينتج الكثير من المغذيات عن تفتت الصخور الطبيعي وعن تمعدن المواد العضوية. ولكن المغذيات الإضافية تأتي من نزح المخصبات من الأراضي الزراعية أو من المنظفات أو الأجزاء الأخرى لمياه الصرف الصحي. وتخصِّب معظم المغذيات الطحالب المجهرية (كائنات بسيطة تشبه النباتات)، وأيضًا النباتات كأعشاب البرك والطحلب البطي. انظر: الطحالب. وتنمو طحالب ونباتات أكثر نتيجة لوجود المغذيات الإضافية، وكلما نمت أعداد أكبر، ماتت أيضًا أعداد أكبر. وتتنفس الطحالب والنباتات ـ أي تفكك الغذاء لتطلق الطاقة ـ كما أنها تتحلل أيضًا.
وتستهلك كلتا العمليتين الأكسجين الموجود. وفي الحالات القصوى ربما يصبح النهر أو البحيرة غاية في الثراء الغذائي لدرجة أن كل الأكسجين الذائب في الماء يستهلك خلال جزء من اليوم.
ويمكن أيضًا للتلوث الحراري أن يقلل من كمية الأكسجين التي تذوب في الماء. وبالإضافة لذلك، يمكن أن تقتل درجة الحرارة العالية بعض أنواع النباتات والأسماك.
بعض الحلول للحد من التلوث المائي:
1- معالجة مياه الصرف الصحي.
تستخدم محطات معالجة مياه الصرف الصحي الأكثر فعالية ثلاث عمليات منفصلة: معالجة أولية، ومعالجة ثانوية، ثم معالجة ثالثة أخيرة. ولكن القليل من محطات معالجة مياه الصرف الصحي تستخدم العمليات الثلاث. ونتيجة لذلك فإن معظم مياه الصرف الصحي المعالجة مازالت تحتوي على مغذيات يمكن أن تسبب الإثراء الغذائي ووجود المواد الكيميائية.
2- المعالجة التمهيدية للنفايات.
يمكن للصناعات أن تخفض التلوث بمعالجة النفايات لإزالة المواد الكيميائية الضارة قبل إلقاء النفايات في الماء. وربما يمكن تخفيض كميات النفايات الصناعية أيضًا باستخدام عمليات تحويلية لاسترجاع المواد الكيميائية، وإعادة استخدامها.
3- مواصفات مياه الشرب.
وُضِعت في معظم البلدان مواصفات لتحدَّ من كمية البكتيريا، والكيميائيات، والفلزات الضارة في مياه الشرب. وبالإضافة لذلك، فإنه ربما توجد قوانين تحدّ من كميات الكلوروفورم والكيميائيات العضوية الأخرى ذات العلاقة التي تسمى الميثانات ثلاثية الهالوجين. (THM)، في ماء الشرب بالمدن الكبيرة. وتتكون هذه الكيميائيات في محطات المعالجة حينما يضاف الكلور إلى مياه الشرب لقتل البكتيريا المسببة للأمراض. ويعتقد أن التعرض لمستويات عالية من الميثانات ثلاثية الهالوجين وخاصة الكلوروفورم يزيد من احتمال الإصابة بالسرطان.
4- إدخال الأجهزة المضادة للتلوث في المصانع الجديدة.
وفي الدول المتقدمة تفرض الدول على أصحاب السيارات تركيب أجهزة تخفيف التلوث وتنتج مصانع حاليا سيارات ركبت بها مثل هذه الأجهزة:
وذلك بالنسبة للتلوث النووي الناجم عن خلل مفاجئ في المفاعلات النووية لتوليد الطاقة الكهربائية ففي بعض الدول طالبت الهيئات المسؤولة عن سلامة البيئة والشركات صاحبة المفاعلات بوضع خطة لإجلاء السكان في دائرة قطرها 10 أميال عند الضرورة وتنفيذ مثل هذا الإجراء يبدو صعبا لارتفاع التكاليف، وتكتفي الدول بفرض غرامة كبيرة على الشركات المسؤولة في حالة عجزها عن تنفيذ الإجراء المطلوب.
5- محاولة دفن النفايات المشعة في بعض أراضي الصحاري.
إذا تحاول بعض الدول الصناعية دفن النفايات المشعة في بعض الصحاري ومثل هذه المحاولات إذا تمت فإنها تهدد خزانات المياه الجوفية بالتلوث وإلى تعريض السكان لمخاطر الإشعاع النووي.
6- التخلص من النفط العائم.
يجب التخلص من النفط العائم بعد حوادث الناقلات بالحرق أو الشفط وتخزينه في السفن التي أعدت لهذا الغرض مع الحد من استخدام المواد الكيماوية تجنبا لإصابة الأحياء المائية والنباتية.